الرسالة الثامنة بعض فوائد سورة الفاتحة



ص -382- الرسالة الثامنة بعض فوائد سورة الفاتحة



بسم الله الرحمن الرحيم

الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ}1 قال الشيخ رحمه الله تعالى: هذه الآيات الثلاث تضمنت ثلاث 2 مسائل:
( الآية الأولى ):فيها المحبة، لأن الله منعم، والمنعَم يُحَبُّ على قدر إنعامه. والمحبة تنقسم على أربعة أنواع:
محبة شركية، وهم الذين قال الله فيهم:{وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ} 3 إلى قوله {وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ}4.
المحبة الثانية: حب الباطل وأهله، وبغض الحق وأهله، وهذه صفة المنافقين.
المحبة الثالثة: طبيعية وهي محبة المال والولد، إذا لم تشغل عن طاعة الله، ولم تعن على محارم الله فهي مباحة.
والمحبة الرابعة: حب أهل التوحيد، وبغض أهل الشرك وهي أوثق عرى الإيمان، وأعظم ما يعبد به العبد ربه.
---------------ــ
1 سورة آية: 1-3.
2 ما أثبتناه هو الذي ورد في طبعة مطبعة أم القرى وهو الذي يقتضيه المقام.
3 سورة البقرة آية: 165.
4 سورة البقرة آية: 167.

 
ص -383- ( الآية الثانية ): فيها الرجاء.
( والآية الثالثة ): فيها الخوف.{إِيَّاكَ نَعْبُدُ} 1 أي: أعبدك يا رب بما مضى بهذه الثلاث: بمحبتك، ورجائك، وخوفك؛ فهذه الثلاث أركان العبادة، وصرفها لغير الله شرك.
وفي هذه الثلاث الرد على من تعلق بواحدة منهن، كمن تعلق بالمحبة وحدها، أو تعلق بالرجاء وحده، أو تعلق بالخوف وحده؛ فمن صرف منها شيئا لغير الله فهو مشرك 2. وفيها من الفوائد الرد على الثلاث الطوائف التي كل طائفة تتعلق بواحدة منها، كمن عبد الله تعالى بالمحبة وحدها، وكذلك من عبد الله بالرجاء وحده كالمرجئة، وكذلك من عبد الله بالخوف وحده كالخوارج.
{إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}3 فيها توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية ;{إِيَّاكَ نَعْبُدُ}4 فيها توحيد الألوهية، {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}5 فيها توحيد الربوبية 6.{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}7 فيها الرد على المبتدعين.
وأما الآيتان الأخيرتان ففيهما من الفوائد ذكر أحوال الناس. قسمهم الله تعالى ثلاثة أصناف: منعم عليه، ومغضوب عليه، وضال.
فات---------------ــ
1 سورة الفاتحة آية: 5.
2 هذه عبارة الدرر السنية ووقع في غيرها من النسخ (فمن صرف واحدة منهن لغير الله فقد أشرك).
3 سورة الفاتحة آية: 5.
4 سورة الفاتحة آية: 5.
5 سورة الحة : 5آية.
6 قوله: (إياك نعبد فيها توحيد الألوهية وإياك نستعين فيها توحيد الربوبية) من طبعة مطبعة أم القرى والدرر السنية وطبعة المطبعة المصطفوية وفيه إيضاح لما قبله.
7 سورة الفاتحة آية: 6.

 
ص -384- فالمغضوب عليهم أهل علم ليس معهم عمل، والضالون أهل عبادة ليس معها علم، وإن كان سبب النُزول في اليهود والنصارى فهي لكل من اتصف بذلك. الثالث من اتصف بالعلم والعمل وهم المنعم عليهم.
وفيها من الفوائد: التبرؤ من الحول والقوة، لأنه منعم عليه. وكذلك فيها معرفة الله على التمام، ونفي النقائص عنه تبارك وتعالى. وفيها معرفة الإنسان ربه، ومعرفة نفسه، فإنه إذا كان هنا رب فلا بد من مربوب، وإذا كان هنا راحم فلا بد من مرحوم، وإذا كان هنا مالك فلا بد من مملوك، وإذا كان هنا عبد فلا بد من معبود، وإذا كان هنا هاد فلا بد من مهدي، وإذا كان هنا منعم فلا بد من منعَم عليه، وإذا كان هنا مغضوب عليه فلا بد من غاضب، وإذا كان هنا ضال فلا بد من مضل. فهذه السورة تضمنت الألوهية والربوبية، ونفي النقائص عن الله (، وتضمنت معرفة العبادة وأركانها. والله أعلم